فصل: قال الطبري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)}.
هذه الآية الكريمة تتناول أحداثا وقعت بعد غزوة أحد.. وفي غزوة أحد طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. من الرماة ألا يغادروا مواقعهم عند سفح الجبل سواء انتصر المسلمون أو انهزموا.. فلما بدأت بوادر النصر طمع الرماة في الغنائم.. فخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهزمهم الله.. ولكن الكفار لم يحققوا نصر لأن النصر هو أن تحتل أرضا وتبقى. هؤلاء الكفار بعد المعركة انطلقوا عائدين إلي مكة.. حتى أن المسلمين عندما خرجوا للقائهم في اليوم التالي لم يجدوا أحدًا.. يهود المدينة استغلوا هذا الحديث.. وعندما التقوا بحذيفة بن اليمان وطارق وغيرهما.. قالوا لهم إن كنتم مؤمنين حقا لماذا انهزمتم فارجعوا إلي ديننا واتركوا دين محمد.. فقال لهم حذيفة ماذا يقول دينكم في نقض العهد؟.. يقصد ما تقوله التوراة في نقض اليهود ولعهودهم مع الله ومع موسى.. ثم قال أنا لن انقض عهدي مع محمد ما حييت.. أما عمار فقال.. لقد آمنت بالله ربا وآمنت بمحمد رسولا وآمنت بالكتاب إماما وآمنت بالكعبة قبلة وآمنت بالمؤمنين إخوة وسأظل على هذا ما حييت.
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله حذيفة وطارق بن ياسر فسر بذلك ولكن اليهود كانوا يستغلون ما حدث في أحد ليهزموا العقيدة الإيمانية في قلوب المسلمين كما استغلوا تحويل القبلة من بيت المقدس إلي الكعبة ليهزموا الإيمان في القلوب وقالوا إذا كانت القبلة تجاه بيت المقدس باطلة فلماذا اتجهتم إليها، وإذا كانت صحيحة فلماذا تركتموها، فنزل قول الله تعالى: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم}. انظر إلي دقة التعبير القرآني في قوله تعالى: {من أهل الكتاب}.. فكأن بعضهم فقط هم الذين كانوا يحاولون رد المؤمنين عن دينهم.. ولكن كانت هناك قلة تفكر في الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام.. ولو أن الله جل جلاله حكم على كل أهل الكتاب لسد الطريق أمام هذه القلة أن يؤمنوا.. أي أن أهل الكتاب من اليهود يحبون أن يردوكم عن دينكم وهؤلاء هم الكثرة.. لأن الله تعالى قال: {ود كثير من أهل الكتاب}.
وقوله تعالى: {من بعد إيمانكم كفارا}.. كفارا بماذا؟.. بما آمنتم به أو بما يطلبه منكم دينكم.. وهم لا يفعلون ذلك عن مبدأ أو عقيدة أو لصالحكم ولكن: {حسدا من عند أنفسهم}.. فدينهم يأمرهم بعكس ذلك.. يأمرهم أن يؤمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم.. ولذلك فهم لا ينفذون ما تأمرهم أن يؤمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم.. ولذلك فهم لا ينفذون ما تأمرهم به التوراة حينما يرفضون الإيمان بالإسلام.. والذي يدعوهم إلي أن يحاولوا ردكم عن دينكم هو الحسد.. والحسد هو تمني زوال النعمة عمن تكره.
وقوله تعالى: {حسدا من عند أنفسهم}.. أي هذه المسألة من ذواتهم لأنهم يحسدون المسلمين إخوانا متحابين متكاتفين مترابطين.. بينما هم شيع وأحزاب.. وهناك حسد يكون من منطق الدين وهذا مباح..ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس» رواه البخارى في العلم ومسلم في قصر الصلاة وابن ماجه في الزكاة وأحمد في مسنده فكأن الحسد حرام في غير هاتين الحالتين.. فكأن هؤلاء اليهود يحسدون المسلمين على دينهم.. وهذا الحسد من عند أنفسهم لا تقره التوراة ولا كتبهم.
وقوله سبحانه: {من بعد ما تبين لهم أنه الحق}.. أي بعد ما تأكدوا من التوراة من شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه النبي الخاتم.
وقوله تعالى: {فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره}.. ما هو العفو وما هو الصفح؟.. يقال عفت الريح الأثر أي مسحته وأزالته.. فالإنسان حين يمشي على الرمال تترك قدمه أثرا فتأتي الريح وتعفو الأثر أي تزيله.. ولذلك فإن العفو أن تمحو من نفسك أثر أي إساءة وكأنه لم يحدث شيء.. والصفح يعني طي صفحات هذا الموضوع لا تجعله في بالك ولا تجعله يشغلك.
وقوله تعالى: {حتى يأتي الله بأمره}.. أن هذا الوضع بالنسبة لليهود وما يفعلونه في المؤمنين لن يستمر لأن الله سبحانه قد أعد لهم أمرا ولكن هذا الأمر لم يأت وقته ولا أوانه.. وعندما يأتي سيتغير كل شيء.. لذلك يقول الله للمؤمنين لن تظلوا هكذا.. بل يوم تأخذونهم فيه بجرائمهم ولن يكون هذا اليوم بعيدا.. عندما يقول الله سبحانه: {حتى يأتي الله بأمره}.. فلابد أن أمر الله آت.. لأن هذه قضية تتعلق بجوهر الإيمان كله.. فلا يقال أبدا حتى يأتي الله بأمره ثم لا يجئ هذا الأمر.. بل أمر الله بلا شك نافد وسينصركم عليهم.
وقوله تعالى: {إن الله على كل شيء قدير}.. أن الله له طلاقة القدرة في ملكه.. ولذلك إذا قال أنه سيأتي بأمر فسيتحقق هذا الأمر حتما وسيتم.. ولا توجد قدرة في هذا الكون إلا قدرة الله سبحانه.. ولا قوة إلا قوته جل جلاله.. ولا فعل إلا ما أراد. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {لَوْ يَردُّنَكُمٍ} الكلام في {لو} كالكلام فيها عند قوله: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} [البقرة: 96]، فمن جعلها مصدرية هناك جعلها كذلك هنا، وقال: هي مفعول {يود} أي: ودّ كثير ردَّكم.
ومن أبي جعل جوابها محذوفًا تقديره: لو يردونكم كفارًا لسُرُّوا أو فرحوا بذلك.
وقال بعضهم: تقديره: لو يردونكم كفارًا لودّوا ذلك، ف {وَدَّ} دَالَّى على الجواب، وليست بجواب؛ لأن {لو} لا يتقدمها جوابها كالشرط.
وهذا التقدير الذي قدره هذا القائل فاسد، وذلك أن {لو} حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، فيلزم من تقديره ذلك أن وَدَادتهم ذلك لم تقع؛ لأن الموجب لظفًا منفي معنى، والغرض من وَدَادَتهم ذلك واقعة باتفاق، فتقدير لسروا ونحوه هو الصحيح.
ويرد هنا فيه قولان.
أحدهما وهو الواضح أنها المتعدّية لمفعولين بمعنى صَيَّر، فضمير المخاطبين مفعولً أول، و{كفارًا} مفعول ثان؛ ومن مجيء رَدَّ بمعنى صَيَّر قوله: الوافر:
رَمَى الْحَدَثانُ نِسْوَةَ آلِ حَرْبٍ ** بِمِقْدَارٍ سَمَدْنَ لَهُ سُمُودَا

فَرَدَّ شُعُورَهُنَّ السُّودَ بِيضًا ** وَرَدَّ وُجُوهَهُنَّ البِيضَ سُودَا

وجعل أبو البقاء كفارًا حالًا من ضمير المفعول على أنها المتعدية لواحد، وهو ضعيف، فأن الحال يستغنى عنها غالبًا، وهذا لابد منه.
و{مِنْ بَعد} متعلق ب {يردُّونكم} و{من} لابتداء الغاية.
قوله تعالى: {حسدًا} نصب على المفعول له، وفيه الشروط المجوّزة لنصبه، والعامل فيه {ود} أي: الحامل على ودادتهم رَدُّكم كُفَّارًا حَسَدُهُم لكم.
وجوزوا فيه وجهين آخرين:
أحدهما: أنه مصدر في موضع الحال، وإنما لم يجمع لكوه مصدرًا، أي: حاسدين، وهذا ضعيف، لأن مجيء المصدر حالًا لا يطّرد.
الثاني: أنه منصوب على المصدرية بفعل من لفظه أي يحسدونكم حسدًا والأول أظهر الثلاثة.
قوله تعالى: {مِنْ عِنَدِ أَنْفُسِهِمْ} في هذا الجار ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه متعلّق ب {ود} أي: ودوا ذلك من قبل شهواتهم لا من قبل التدين والميل مع الحق؛ لأنهم ودّوا ذلك من بعد ما تبيّن لهم أنكم على الحق و{من} لابتداء الغاية.
الثاني: أنه صفة ل {حسدًا} فهو في محلّ نصب، ويتعلّق بمحذوف أي: حسدًا كائنًا من قبلهم وشهوتهم، ومعناه قريب من الأول.
الثالث: أنه متعلّق ب {يردّونكم}، و{من} للسببية.
أي: يكون الردّ من تلقائهم وجهتهم وبإغوائهم.
قوله تعالى: {من بعد ما} متعلّق ب {وَدَّ}، و{من} للابتداء، أي: أنَّ ودادتهم ذلك ابتدأت من حيث وضوح الحق، وتبيّنه لهم، فكفرهم عُنَادٌ، و{ما} مصدرية أي: من بعد تبيين الحَقّ.
والحسد: تمنِّي زوال نعمة الإنسان.
والمصدر حَسَدٌ. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (110):

قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما أمرهم بالثقة بهذا الكتاب ما نسخ منه وما لم ينسخ وأن لا يعوقهم عنه طعن الطاعنين ولا حسد الحاسدين وأمرهم بالإعراض عن الغير أمرهم بالإقبال على إصلاح النفس والإحسان إلى الغير مما اتصف به المهتدون في قوله تعالى: {ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} [البقرة: 2] ولما كان المقصود من الصلاة قصر الهمة والنية على الحضرة الإلهية وتفريغ البال من جميع الشواغل علم أن التقدير بعد الختم بشمول القدرة فاعلموا ذلك وثقوا به {وأقيموا الصلاة} التي هي مع كونها سنبتليكم في قبلتها بالنسخ قوام الدين والمعينة على جميع النوائب بإعانة الخالق الذي قصد بها الإقبال عليه والتقرب إليه {وآتوا الزكاة} التي هي قرينة الصلاة، فمن فرق بينهما فقد نسخ ما أثبت الله فاستحق القتال ليرجع عما ارتكب من الضلال، وهي من أعظم نفقات المؤمنين إحسانًا إلى الخلائق إن كنتم مصلين بالحقيقة، فإن المال بعض ما صرفت عنه الصلاة من أعراض الدنيا.
ولما كان قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا} [البقرة: 104] وما بعده خطابًا للمؤمنين تحذيرًا من كيد أعدائهم بالنهي عما يرديهم والأمر بما ينجيهم وختمه بهذه الآية فذلكة لذلك كله جميعًا لمعانيه وفتحها برأس العبادات البدنية والمالية وكانت (أل) مشيرة إلى الواجب من ذلك ختم الآية نفسها بالأمر العام الجامع فقال: {وما تقدموا لأنفسكم من خير} أي من الصلاة والزكاة وغيرهما فرضًا ونفلًا {تجدوه} وزاد ترغيبًا فيه بقوله: {عند الله} أي الجامع لصفات الكمال.
فهو يحفظه بما له من العلم والقدرة ويربيه بما له من الكرم والرحمة- إلى غير ذلك من أمور الفضل.
ولما كان الشيء قد يهمل لكونه صغيرًا وقد لا يطلع عليه لكونه خفيًا حقيرًا قال مرغبًا مرهبًا: {إن الله} المحيط قدرة وعلمًا {بما تعملون بصير} وأظهر الاسم في موضع الإضمار إشعارًا بالاستئناف للخير ليكون ختمًا جامعًا.
لأنه لو عاد على خصوص هذا الخطاب لكان أنه، وذلك لأن تجديد الإظهار يقع بمعنى رد ختم الخطاب على إحاطة جملته- قاله الحرالي.
والمعنى أنه لو أضمر لكان ربما أفهم تقيد علمه بحيثية ما تقدم من عمل الخير؛ وعلى مثل هذا دل قول العلامة شمس الدين الغزي في أول شرحه لإيساغوجي: الغالب في المضمر إرادة المعنى الأول، وأما حديث: إعادة الشيء معرفة.
فأصل يعدل عنه كثيرًا للقرائن. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى أمر بالعفو والصفح عن اليهود، ثم عقبه بقوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} تنبيهًا على أنه كما ألزمهم لحظ الغير وصلاحه العفو والصفح، فكذلك ألزمهم لحظ أنفسهم وصلاحها القيام بالصلاة والزكاة الواجبتين، ونبه بهما على ما عداهما من الواجبات.
ثم قال بعده: {وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ} والأظهر أن المراد به التطوعات من الصلوات والزكوات، وبين تعالى أنهم يجدونه وليس المراد أنهم يجدون عين تلك الأعمال لأنها لا تبقى ولأن وجدان عين تلك الأشياء لا يرغب فيه، فبقي أن المراد وجدان ثوابه وجزائه، ثم قال: {إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي أنه لا يخفى عليه القليل ولا الكثير من الأعمال وهو ترغيب من حيث يدل على أنه تعالى يجازي على القليل كما يجازي على الكثير، وتحذير من خلافه الذي هو الشر، وأما الخير فهو النفع الحسن وما يؤدي إليه، فلما كان ما يأتيه المرء من الطاعة يؤدي به إلى المنافع العظيمة، وجب أن يوصف بذلك، وعلى هذا الوجه قال تعالى: {وافعلوا الخير لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]. اهـ.

.قال الطبري:

وإنما أمرهم جل ثناؤه في هذا الموضع بما أمرهم به، من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتقديم الخيرات لأنفسهم، ليَطَّهروا بذلك من الخطأ الذي سلف منهم في استنصاحهم اليهود، وركون من كان ركن منهم إليهم، وجفاء من كان جفا منهم في خطابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: {راعنا}، إذْ كانت إقامة الصلوات كفارة للذنوب، وإيتاء الزكاة تطهيرا للنفوس والأبدان من أدناس الآثام، وفي تقديم الخيرات إدراك الفوز برضوان الله.

.من أقوال المفسرين:

.قال أبو جعفر:

وهذا خبر من الله جل ثناؤه للذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين، أنهم مهما فعلوا من خير وشر سرا وعلانية، فهو به بصير لا يخفى عليه منه شيء، فيجزيهم بالإحسان خيرا، وبالإساءة مثلها.
وهذا الكلام وإن كان خرج مخرج الخبر، فإن فيه وعدا ووعيدا، وأمرا وزجرا. وذلك أنه أعلم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم، ليجدوا في طاعته، إذْ كان ذلك مذخورا لهم عنده حتى يثيبهم عليه، كما قال: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله}، وليحذروا معصيته، إذْ كان مطلعا على راكبها، بعد تقدمه إليه فيها بالوعيد عليها، وما أوعد عليه ربنا جل ثناؤه فمنهي عنه، وما وعد عليه فمأمور به.
وأما قوله: {بصير}، فإنه مبصر صرف إلى بصير، كما صرف مبدع إلى بديع، ومؤلم إلى أليم. اهـ.